قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
محاضرة في فتن هذا الزمان ومقاومتها
9191 مشاهدة
طرق الشيطان في إغواء بني آدم

وقد ذكر بعض العلماء أن الشيطان يدعو الناس إلى الذنوب, أكبرها, ثم إلى ما يليه, ثم إلى ما يليه, ثم إلى ما يليه.
ذكر ابن القيم في كتابه الذي سماه بدائع الفوائد في آخر المجلد الثاني, يقول: إن الشيطان يقصد من الإنسان, أو يَدْعُوه إلى خمسة أو ستة أشياء... إن حصل على الأول وإلا انتقل إلى الثاني, فيدعوه إلى الكفر, فإذا أوقعه في الكفر والشرك ظفر به واستراح منه, فإن عجز عن إيقاعه في الكفر دعاه إلى البدع, فإذا وَقَعَ في البدع حَسَّنَهَا له, ورضي وقنع بها منه.. فإن عجز عن إيقاعه في البدع أوقعه في الكبائر, فهي التي توبقه, فإذا لم يقدر على إيقاعه في الكبائر أوقعه في الصغائر, فَإِذَا لم يَقْدِرْ على إيقاعه في الصغائر أوقعه في المباحات, والتهالك فيها حتى تشغله عن الطاعات, فإذا عجز عنه أوقعه في الأعمال المرجوحة, وترك الأعمال الراجحة.. هذه مقاصده.. فإذا عجز عن ذلك كله, ما بقي له إلا حيلة واحدة, لا يسلم منها أحد, لو سلم منها أحد لسلم منها أنبياء الله ورسله, وهي: تَسْلِيطُ جنوده الذين هم شياطين الإنس.. الذين هم إخوانه..تسليطهم على ذلك الْمُتَمَسِّك.
فنقول: إن دعاة الشيطان شياطين الإنس كذلك تارة يدعون إلى الكفر, والشرك والخروج من الإسلام كلية, وتارة يدعون إلى بدعهم كالرافضة ونحوهم, وتارة يدعون إلى كبائر الذنوب, والإيقاع فيها, وتارة إلى صغائرها, وإذا عجزوا أوقعوا الناس في المباحات ونحوها, وإذا عَجِزُوا صَرَفُوهُمْ عن الأعمال الفاضلة إلى الْأَعْمَالِ الْمَفْضُولة, وَإِذَا عجزوا لم يجدوا إلا أذاهم بِاللِّسَان, أو باليد, أو بما قدروا عليه من أنواع الْأَذَى، فبذلك: نأخذ حِذْرَنَا.. يأخذ الإنسان حِذْرَهُ.